بقلم : زياد ابوشاويش
لا يملك المرء إلا أن ينحني احتراماً لهؤلاء الفتية من أبناء فلسطين ومعهم بعض شباب سورية وفتيتها ممن عملوا ليل نهار من أجل إنجاز العلم الأكبر في التاريخ وإدخاله لائحة غينيس للأرقام القياسية ومبعدين عنها الرقم الإسرائيلي في ذات المجال ، ولا يتردد المواطن الفلسطيني وهو يرى علم وطنه يتمدد بمساحة الكون إلا أن يقبل أيدي كل من ساهم في هذا الإنجاز الكبير .
إن صناعة أكبر علم على سطح الأرض وفيه تلك الألوان الدالة على ماضينا وحاضرنا والحاملة لآمالنا في المستقبل المنشود لا يعدل ميزان القوى مع عدونا كما ذكر المتحدث باسم اللجنة التي أشرفت وتابعت العمل لإنجاز الفكرة واقعاً ، لكنه يمثل واحداً من مجالات التحدي الحضاري والإنساني التي علينا أن نجابه بها عدونا المتفوق عسكرياً والذي يعمل ليل نهار على تسويق فكرته الخادعة عن شعبنا ومقاومته والذي يسرق تراثنا وينسبه لنفسه بطريقة تنم عن جرأة وقحة لا تترك لنا مجالاً سوى قبول التحدي والعمل على كشف زيفه أمام عالم تبهره الدعاية والإعلام المدفوع الأجر والذي نعرف أن اليهود الصهاينة يسيطرون عليه في أهم مواقعه .
إن الجهد المنسق الذي قام به معدوا العلم يدل على روح وثابة وتصميم ينم عن حب عميق للوطن والالتزام ببقائه بوصلة كل جهد لعودته للحضن العربي ولعودة أبنائه لربوعه الطيبة ، وهل هناك ما هو أقدس من الوطن ؟ إن مساحة سبعة وعشرين ألف متر مربع مضافاً إليها بضعة أمتار لتطابق مساحة الوطن وبنسبة متر مربع من القماش لكل كيلو متر مربع من أرض فلسطين لهي مساحة لعلم يحتاج إنجازه لجهد جبار وتنسيق للعمل وتنظيم شديد الانضباط وهذا ما حدث ، حيث عمل كل الشباب الذين أخذوا على عاتقهم إنجاز المشروع ليل نهار سواء كانوا في مجال جمع التبرعات لشراء القماش أو الخياطة أو تنظيم الوصلات وتحضير مكان العمل في مخيم اليرموك وفي مكان أطلق عليه منذ بدء المشروع ساحة العلم .
كنت أمر على تلك الساحة بشكل متقطع فأجد ورشة عمل حقيقية تتميز بالألفة بين عمالها الأشاوس من فتيان فلسطين وشبابها ، كما الروح الوثابة والتصميم على إشهار التحدي في وجه العدو الصهيوني في مجال ليس لأسلحة أمريكا فيه أي وزن أو قيمه ، انه مجال الفعل الإنساني المنتمي للحق ولوطن سلب من شعبه بحد السيف وبفعل همجي لا سابق له في تاريخ البشرية ، وبهذا فقد كان العلم ذلك الوجه الجديد لقصة المواجهة الأبدية للغزاة ودليل لكل شعوب الأرض حول زيف الادعاءات الإمبريالية في تبرير احتلال أراضي الغير وانكشاف القصة الوهمية حول أرض بلا شعب لشعب بلا أرض .
إن أهم ما يلفت النظر في هذا الإنجاز الوطني المبارك هو أن فكرته جاءت من أهلنا في الأرض المحتلة عبر الانترنت ، وتلقفها شباب فلسطين في مخيم اليرموك ليتكامل جهد الفكر والجسد ويصنع نصراً معنوياً كبيراً سيذكره الناس عاماً بعد آخر بكل الفخر والاعتزاز ، كما ويعطي العمل نكهته الطيبة وجماليته العظيمة أنه كان عملاً أهلياً بكل معنى الكلمة ، حيث كان كل شيء بعيداً عن الفصائل ومناكفاتها التي نعرف، وبالتالي فالإنجاز هو مبادرة شعبية من الألف إلى الياء، وهو درس لكل من يرغب في خدمة قضيته الوطنية، وسيجد المبادرون كل العون من شعبهم الذي يتطلع كل سنة وفي ذكرى النكبة صوب وطنه فلسطين ليتجدد الحلم وبإصرار أكبر على العودة . لقد كان من المفترض أن يتم عرض العلم يوم 15 مايو (آيار) لكن ظروفاً قاهرة وتتعلق بحجم الإنجاز وضيق الوقت حالت دون ذلك ليكون الافتتاح الذي حضرناه يوم الجمعة الثالث والعشرين من ذات الشهر وحيث سيكون القياس لدخول موسوعة غينيس السبت الرابع والعشرين منه . ورغم حضور لفيف من قيادات العمل الوطني الفلسطيني والشخصيات الرسمية العربية والسورية فقد اقتصرت الكلمات على اثنتين الأولى باسم لجنة التنسيق المشرفة على الإنجاز والأخرى لرئيس اللجنة العربية السورية لدعم الانتفاضة الفلسطينية والمقاومة واقتصر دور هذه القيادات على إجراء المقابلات الصحفية مع وسائل الإعلام المختلفة .
لقد كنت أنظر في وجوه الحاضرين في كل مكان وبقعة مررت بها في ميدان عرض العلم وكانوا بالآلاف فما وجدت على تلك الوجوه سوى علامات الفخر والشعور بالرضى وكأن هناك توقاً عند هؤلاء لرؤية علم بلادهم منتصراً ، ورغم أن العلم بألوانه الزاهية كان ممداً فوق الأرض على بطاح سوريا الشقيقة وبين أهلها الأكارم فقد تخيلته عملاقاً يرفرف فوق ربوع فلسطين فتزهو به الناصرة وبيت لحم ونابلس وغزة والكرمل وكل بقعة من ثرى فلسطين الطاهر . لقد كان يوم العلم حقاً يوماً للفرح في الذكرى الستين للنكبة ، وفي ذات اليوم قامت اسرائيل بعدوان وحشي جديد على قطاع غزة لتدمينا وتقتل أبناءنا فيسقط الشهداء ويرسم دمهم الطاهر أحد أعز الألوان في علم بلادنا ، هذا اللون الأحمر القاني برائحة الشهداء الأبرار ودمهم الزكي الطاهر . ولن أنسى مطلقاً ذلك الطفل الذي لبس ثوباً على شكل علم فلسطين ويحمل في يده أيضاً علم فلسطين وكيف التفت بعض وسائل الإعلام من صحافة وفضائيات من أجل التقاط الصور له وهو ينظر إليهم بعزة وكبرياء ، طفل لا يتجاوز عمره الثالثة يفعل هذا فكيف يمكن تمرير دعاوي بني صهيون عن أرض بلا شعب ؟.
في ختام حديثي عن يوم وطني كبير أسميه كما قال عنه الكثيرون من أبناء وطني يوم العلم أوجه تحية حب وفخار لكل من ساهم في هذا الإنجاز فأدخل الفرح والعزة إلى قلوب شعبنا بنسائه ورجاله وقدم أفضل هدية لأرواح الشهداء الذين يباركون هذا العمل ويشعرون بالرضى أن هناك من يعتز بهم ويحترم تضحياتهم بطريقة هذا الإنجاز . نقبل كل يد وضعت غرزة أو خيطاً في علم فلسطين وندعو الفصائل الفلسطينية بكل ألوانها السياسية وتوجهاتها الفكرية للوحدة والالتفاف حول أهداف شعبنا في الحرية والاستقلال كما التف الناس والجماهير حول علم بلادنا الجميل بكل ألوانه ، ولينبذوا الخلافات ويوجهوا جهدهم نحو هدف واحد : عودة فلسطين لأهلها ... وليبارك الله كل الصادقين المخلصين .
زياد ابوشاويش