عمر محمود القاسم هو أحد رموز الحركة الوطنية الأسيرة، وُلد في حارة السّعديّة في القدس القديمة سنة 1940م، وأنهى دراسته الابتدائية في المدرسة العمرية القريبة من المسجد الأقصى، والتحق بعدها بمدرسة الرشيدية الثانوية في القدس التي تخرّج منها عام 1958م، ليعمل مدرسًا في إحدى مدارس القدس، وينتسب في الوقت نفسه لجامعة دمشق التي حصل منها على بكالوريوس في اللّغة الإنجليزيّة وآدابها.
التحق الشهيد بحركة القوميين العرب في مطلع شبابه، وسافر إلى خارج فلسطين ليلتحق بمعسكرات الثورة الفلسطينية حيث انخرط في العديد من الدورات العسكرية، قبل أن يُقرّر العودة إلى أرض الوطن بتاريخ 28/10/1968م على رأس مجموعة فدائية من الكوادر كان هدفها التمركز في رام الله. أثناء اجتيازهم لنهر الأردن اصطدم أفراد المجموعة بكمين إسرائيلي قرب قرية كَفر مالك، فاشتبكوا مع جنود الاحتلال حتّى نفذت ذخيرتهم، وتمكّن جنود الاحتلال من أسر المجموعة وقائدها عمر، وأُخضع هو وأفراد مجموعته لتعذيب قاسٍ جدًّا، ومن ثَمَّ أصدرت المحكمة العسكرية على الشهيد حكمًا بالسجن المؤبد.
بالرغم من قساوة السجن والسجّان، والشروط الحياتية القاسية، والمعاملة اللاإنسانية لم يستسلم عمر للواقع المرير، وساهم بوعيه وثقافته في التّعبئة والحشد المعنوي في إعداد الأسرى وفي مواجهة إدارة القمع الإسرائيلية لتحسين ظروف الاعتقال، فشارك مع إخوانه المعتقلين في العديد من الإضرابات عن الطعام بل وكان من أبرز الداعين لتلك الإضرابات ومن قياداتها، كما وشارك في العشرات من الخطوات الاحتجاجية.
في 15 أيار 1974 استدعت إدارة السجن الشهيد الأسير عمر القاسم ومعه الشهيد أنيس دولة وأخذوهما على متن طائرة مروحية إلى حيث كان مقاومون من الجبهة الديمقراطية يحتجزون عدداً من الرهائن في أحد مباني الجليل في عملية "معلوت"، وطلبوا منهما أن يتحدّثا للفدائيين لتسليم أنفسهم وإطلاق سراح الرهائن، فرفض عمر بإصرار مساومة الفدائيين، فانهال عليه الجلّادون بالضرب المبرح واحتجزوه لمدّة في الزنازين الانفرادية كعقابٍ له.
مرّةً أخرى تصدّى القاسم لجنود الاحتلال بعد عملية تبادل الأسرى عام 1985م بين الجبهة الشعبية - القيادة العامة ودولة الاحتلال، التي لم يفرج في إطارها عن القاسم، حيث تعرضت الحركة الأسيرة في سجون الاحتلال حينها لهجمة شرسة من قبل إدارة السجون لسحب إنجازاتها ومكاسبها وكسر شوكتها وإذلالها، إلاّ أنّ الأسرى تصدّوا لهذه الحملة، من أجل تثبيت تلك المكاسب التي تحققت بدماء وآلام الأسرى، وقد كان للقاسم دورٌ قياديٌ مميزٌ في ذلك.
عانى القاسم خلال مسيرة حياته خلف القضبان على مدار واحد وعشرين عامًا من العديد من الأمراض في ظل سياسة الإهمال الطبي المتعمّد من قبل إدارة مصلحة السجون، حتّى كان الموعد مع الشهادة في الرابع من حزيران عام 1989م حين توقّف قلبه عن الخفقان، وشارك في تشييع جثمانه الآلاف من جماهير الشعب الفلسطينية وقياداته السياسية، ودفن في مقبرة الأسباط في مدينة القدس.